أيا طيفَ أُمِّي ، جُل بذهني وخاطري
فجدِّد شبابَ العُمرِ وابعث مشاعري
أتوقُ إلى الصدرِ الحنونِ يضُمني
طويلاً ، فهل يا طيفُ أنت بزائري ؟
مضى من سنين الدمعِ عمرٌ ، ولم يزل
فؤادي بِهِ يسخو ، و إن لم يُجاهِرِ
لَهُ كاضطرابِ البحرِ موجٌ مشابِهٌ
و في الجودِ و الإغداقِ سحرُ المواطِرِ
و في قَولةِ الحقِّ المبينِ لهُ العُلا
فلم يخشَ يا أُمَّاهُ بطشَةَ جائِرِ
و لي فيهِ إحساسٌ يجيشُ صبابةً
و أزهارُ بستانٍ ، و رِقَّةُ شاعرِ
فيا طيفَ أُمِّي عُد فإنِّي و وحدتي
سهرنا ، و في الأعماقِ لوعةُ حائِرِ
نَعُدُّ ثوانينا و نرنو لغفوةٍ
يعودُ بها الحُلمُ القديمُ لحاضري
فإنِّي بلا حُلمٍ كنجمٍ بلا فضا
و إنِّي بلا حُبٍّ كصخرِ المحاجِرِ
و يا وجهَ أمِّي دع يدي تلمسُ الذُّرا
و ترنو إلي العلياءِ ، تشدو كطائرِ
و زدني إلى ما شاءَ ربِّي مغانماً
من الطهرِ و الأخلاقِ زاد المسافِرِ
فإنِّي بأخلاقي على الخلقِ سائِدٌ
و ما سُدتُهُم بالمالِ أو بالجواهِرِ
تعلَّمْتُ حُسنَ الظنِّ منكَ و فطنتي
فما كُنتُ خوّاناً ، و لستُ بغادِرِ
و لكنْ ذئابُ الليلِ غرثى ، تربَّصَت
بلحمي و أعصابي إذا لم أُحاذِرِ
و من لم يكُن مثلي يذودُ بمخلبٍ
قويٍّ ، فما يُغنيهِ طولُ الأظافِرِ
و من لم يكُن في الحقِّ صوتاً مُدَوِّياً
تأذّى بأصواتٍ لأوهى الحناجِرِ
فيا طيفَ أمي عُد كما كُنتَ ناضراً
و لا تنزَعِج ممّا رأيتَ بحاضري
فهذا هو القرنُ الجديدُ و عالمٌ
يتيهُ بأسيافِ الهمومِ البواتِرِ
حروبٌ لها الإنسانُ طُعمٌ و مِشعَلٌ
و نارٌ إذا ما أُضرِمَت لم تُغادِرِ
و لا تتركنِّي بين حزني و أدمعي
شقيّاً ، وهَمِّي فاقَ كلَّ خواطِري
فإن زُرتَني ، شرَّفتَ يا خيرَ زائِرٍ
أتى بالشذا والعطرِ من خيرِ زائِرِ
و إن تهجرِ الأحلامَ عفواً ، فإنني
على العهدِ ، لن أنسى وإن كُنتَ هاجِري